فصل: من يرخص لهم في الفطر ويجب عليهم القضاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.من يرخص لهم في الفطر ويجب عليهم القضاء:

يباح الفطر للمريض الذي يرجى برؤه، والمسافر، ويجب عليهما القضاء.
قال الله تعالى: {ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}.
وروى أحمد، وأبو داود، والبيهقي، بسند صحيح، من حديث معاذ، قال: إن الله تعالى فرض على النبي صلى الله عليه وسلم الصيام، فأنزل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} إلى قوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} فكان من شاء صام. ومن شاء أطعم مسكينا. فأجزأ ذلك عنه.
ثم إن الله تعالى أنزل الآية الاخرى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} إلى قوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فأثبت صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وأثبت الاطعام للكبير الذي لايستطيع الصيام.
والمرض المبيح للفطر، هو المرض الشديد الذي يزيد بالصوم، أو يخشى تأخر برئه.
قال في المغني: وحكى عن بعض السلف: أنه أباح الفطر بكل مرض، حتى من وجع الاصبع والضرس، لعموم الآية فيه، ولان المسافر يباح له الفطر، وإن لم يحتج إليه، فكذلك المريض وهذا مذهب البخاري، وعطاء، وأهل الظاهر.
والصحيح الذي يخاف المرض بالصيام، يفطر، مثل المريض وكذلك من غلبه الجوع أو العطش، فخاف الهلاك، لزمه الفطر وإن كان صحيحا مقيما وعليه القضاء.
قال الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}.
وقال تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج}.
وإذا صام المريض، وتحمل المشقة، صح صومه، إلا أنه يكره له ذلك لاعراضه عن الرخصة التي يحبها الله، وقد يلحقه بذلك ضرر.
وقد كان بعض الصحابة يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يفطر، متابعين في ذلك فتوى الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال حمزة الاسلمي: يا رسول الله، أجد مني قوة على الصوم في السفر، فهل علي جناح؟ فقال: هي «رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها، فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة - ونحن صيام - قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم» فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: «إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم» فأفطروا، فكانت عزمة، فأفطرنا، ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في السفر رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم» ثم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر، فإن ذلك حسن. رواه أحمد ومسلم.
وقد اختلف الفقهاء في أيهما أفضل؟.
فرأى أبو حنيفة، والشافعي، ومالك: أن الصيام أفضل، لمن قوي عليه، والفطر أفضل لمن لا يقوى على الصيام.
وقال أحمد: الفطر أفضل.
وقال عمر بن عبد العزيز: أفضلهما أيسرهما، فمن يسهل عليه حينئذ، ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك، فالصوم في حقه أفضل.
وحقق الشوكاني، فرأى أن من كان يشق عليه الصوم، ويضره، وكذلك من كان معرضا عن قبول الرخصة، فالفطر أفضل وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء - إذا صام في السفر - فالفطر في حقه أفضل.
وما كان من الصيام خاليا عن هذه الأمور، فهو أفضل من الافطار.
وإذا نوى المسافر الصيام بالليل، وشرع فيه، جاز له الفطر أثناء النهار.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم، وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فشرب، والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضهم وصام بعضهم، فبلغه: أن ناسا صاموا، فقال: «أولئك العصاة» رواه مسلم والنسائي، والترمذي وصححه.
وإذا ما نوى الصوم - وهو مقيم - ثم سافر في أثناء النهار فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز الفطر له، وأجازه أحمد وإسحاق.
لما رواه الترمذي - وحسنه - عن محمد بن كعب قال: أتيت في رمضان أنس بن مالك، وهو يريد سفرا، وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل فقلت له: سنة؟ فقال: سنة، ثم ركب.
وعن عبيد بن جبير قال: ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في رمضان، فدفع، ثم قرب غداءه ثم قال: اقترب، فقلت: ألست بين البيوت فقال أبو بصرة: أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رواه أحمد، وأبو داود، ورجاله ثقات.
قال الشوكاني: والحديثان يدلان على أن للمسافر أن يفطر قبل خروجه، من الموضع الذي أراد السفر منه.
وقال: قال ابن العربي: وأما حديث أنس، فصحيح، يقتضي جواز الفطر، مع أهبة السفر.
وقال: وهذا هو الحق.
والسفر المبيح للفطر، هو السفر الذي تقصر الصلاة بسببه، ومدة الإقامة التي يجوز للمسافر أن يفطر فيها، هي المدة التي يجوز له أن يقصر الصلاة فيها.
وتقدم جميع ذلك في مبحث قصر الصلاة ومذاهب العلماء وتحقيق ابن القيم.
وقد روى أحمد، وأبو داود، والبيهقي، والطحاوي.
عن منصور الكلبي: أن دحية بن خليفة خرج من قرية، من دمشق مرة، إلى قدر عقبة من الفسطاط، في رمضان، ثم إنه أفطر، وأفطر معه ناس.
وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته، قال: والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك.

.من يجب عليه الفطر والقضاء معا:

وجميع رواة الحديث ثقات، إلا منصور الكلبي، وقد وثقه العجلي.
اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض، النفساء ويحرم عليهما الصيام، وإذا صاتا لا يصح صومهما، ويقع باطلا، وعليهما قضاء ما فاتهما.
روى البخاري، ومسلم، عن عائشة، قالت: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.

.الأيام المنهي عن صيامها:

جاءت الأحاديث مصرحة بالنهي عن صيام أيام نبينها فيما يلي:

.1- النهي عن صيام يومي العيدين:

أجمع العلماء على تحريم صوم يومي العيدين، سواء أكان الصوم فرضا، أم تطوعا.
لقول عمر رضي الله عنه: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين أما يوم الفطر، ففطركم من صومكم، وأما يوم الاضحى، فكلوا من نسككم» رواه أحمد، والأربعة.

.2- النهي عن صوم أيام التشريق:

لا يجوز صيام الايام الثلاثة، التي تلي عيد النحر.
لما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذاقة يطوف في منى: «أن لا تصوموا هذه الايام، فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عزوجل». رواه أحمد بإسناد جيد.
وروى الطبراني في الاوسط، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل صائحا يصيح: «أن لا تصوموا هذه الايام فإنها أيام أكل، وشرب، وبعال» وأجاز أصحاب الشافعي، صيام أيام التشريق، فيما له سبب، من نذر، أو كفارة، أو قضاء. أم امالا سبب له، فلا يجوز فيها بلا خلاف.
وجعلوا هذا نظير الصلاة التي لها سبب في الاوقات المنهي فيها عن الصلاة.

.3- النهي عن صوم يوم الجمعة منفردا:

يوم الجمعة عيد أسبوعي للمسلمين، ولذلك نهى الشارع عن صيامه.
وذهب الجمهور: إلى أن النهي للكراهة لا للتحريم إلا إذا صام يوما قبله، أو يوما بعده، أو وافق عادة له، أو كان يوم عرفة، أو عاشوراء فإنه حينئذ لا يكره صيامه.
فعن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية بنت الحارث وهي صائمة، في يوم جمعة فقال لها: «أصمت أمس؟ فقالت: لا، قال: أتريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا قال: فأفطري إذن» رواه أحمد، والنسائي، بسند جيد.
وعن عامر الاشعري قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن يوم الجمعة عيدكم فلا تصوموه إلا أن تصوموا قبله أو بعده» رواه البزار بسند حسن.
وقال علي رضي الله عنه: من كان منكم متطوعا، فليصم يوم الخميس، ولا يصم يوم الجمعة، فإنه يوم طعام، وشراب وذكر رواه ابن أبي شيبة بسند حسن.
وفي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاتصوموا يوم الجمعة، إلا وقبله يوم، أو بعده يوم».
وفي لفظ لمسلم: «ولاتخصوا ليلة الجمعة، بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة، بصيام من بين الايام، إلا أن يكون في صوم، يصومه أحدكم».

.4- النهي عن إفراد يوم السبت بصيام:

عن بسر السلمي، عن أخته الصماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحا عنب، أو عود شجرة فليمضغه» رواه أحمد، وأصحاب السنن، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم وحسنه الترمذي، وقال: ومعنى الكراهة في هذا، أن يختص الرجل يوم السبت بصيام، لأن اليهود يعظمون يوم السبت.
وقالت أم سلمة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت، ويوم الاحد، أكثر مما يصوم من الايام، ويقول: إنهما عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم» رواه أحمد والبيهقي، والحاكم وابن خزيمة، وصححاه.
ومذهب الأحناف، والشافعية والحنابلة، كراهة الصوم يوم السبت، منفردا، لهذه الادلة.
وخالف في ذلك مالك، فجوز صيامه منفردا، بلا كراهة، والحديث حجة عليه.

.5- النهي عن صوم يوم الشك:

قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: «من صام اليوم الذي شك فيه فقد عصى أبا القاسم» صلى الله عليه وسلم، رواه أصحاب السنن.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه.
ورأى أكثر هم إن صامه وكان من شهر رمضان، أن يقضي يوما مكانه فإن صامه لموافقته عادة له جاز له الصيام حينئذ بدون كراهة.
فعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقدموا صوم رمضان، بيوم، ولا يومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل، فليصم ذلك اليوم» رواه الجماعة.
وقال الترمذي: حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل، بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان.
وإن كان رجل يصوم صوما، فوافق صيامه ذلك، فلا بأس به عندهم.

.6- النهي عن صوم الدهر:

يحرم صيام السنة كلها، بما فيها الايام التي نهى الشارع عن صيامها.
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاصام، من صام الأبد» رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
فأن أفطر يومي العيد، وأيام التشريق، وصام بقية الايام انتفت الكراهة، إذا كان ممن يقوى على صيامها.
قال الترمذي: وقدكره قوم من أهل العلم صيام الدهر.
إذا لم يفطر يوم الفطر، ويوم الاضحى، وأيام التشريق.
فمن أفطر في هذه الايام، فقد خرج من حد الكراهة، ولايكون قد صام الدهر كله.
هكذا روي عن مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحق.
وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم حمزة الاسلمي على سرد الصيام، وقال له: «صم إن شئت وأفطر إن شئت» وقد تقدم.
والافضل أن يصوم يوما، ويفطر يوما، فإن ذلك أحب الصيام إلى الله، وسيأتي.

.7- النهي عن صيام المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه:

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تصوم، وزوجها حاضر حتى تستأذنه.
فعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصم المرأة يوما واحدا، وزوجها شاهد إلا بإذنه، إلا رمضان» رواه أحمد، والبخاري ومسلم.
وقد حمل العلماء هذا النهي على التحريم، وأجازوا للزوج أن يفسد صيام زوجته لو صامت، دون أن يأذن لها، لافتياتها على حقه، وهذا في غير رمضان كما جاء في الحديث، فإنه لا يحتاج إلى إذن من الزوج:

وكذلك لها أن تصوم من غير إذنه، إذا كان غائبا، فإذا قدم، له أن يفسد صيامها. وجعلوا مرض الزوج، وعجزه من مباشرتها، مثل غيبته عنها في جواز صومها، دون أن تستأذنه.

.النهي عن وصال الصوم:

1- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والوصال» - قالها ثلاث مرات - قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: «إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الاعمال ما تطيقون» رواه البخاري ومسلم.
وقد حمل الفقهاء النهي على الكراهة.
وجوز أحمد، وإسحق وابن المنذر، الوصال إلى السحر، ما لم تكن مثقة على الصائم.
لما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل، فليواصل حتى السحر».